حكم إجابة الصائم والأكل من الوليمة

حكم إجابة الصائم ، والأكل من الوليمة

٤/١٠٤٧ – وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائماً فليصلِّ ، وإن كان مفطراً فليطعم ” ، أخرجه مسلم أيضاً.

٥/١٠٤٨ – وله من حديث جابر نحوه وقال : “فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك ” .

-الكلام عليهما من وجوه :

*الوجه الأول : في تخريجهما:

حديث ابي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم في كتاب “النكاح”، باب (الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة) (١٤٣١) من طريق هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً .

وكذا حديث جابر رضي الله عنه فقد اخرجه مسلم في الباب المذكور (١٤٣٠) من طريق سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طَعِمَ ، وإن شاء ترك”.

*الوجه الثاني : في الحديث دليل على أن الصوم ليس بعذر في عدم إجابة الدعوة وأن من دعي وهو صائم لزمه أن يجيب كما يلزم المفطر ، ويحصل المقصود بحضوره وإن لم يأكل ، فإن أذن له صاحب الدعوة سقط عنه الحضور .

وقد اختلف العلماء في المراد بقوله : (فليصلِّ) فمن أهل العلم من حمله على ظاهره ، وفسره بالصلاة المعروفة ، والمعنى : أنه يحضر ويشتغل بالصلاة ؛ ليحصل فضلها ، وينال بركتها أهل الطعام ومن حضر الدعوة .

وقال جمهور : المراد بها الدعاء ؛ أي : فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة والتوفيق للداعي ، وهذا هو الصواب ، وأما القول بأنها الصلاة ذات الركوع والسجود فهو ضعيف ، ولا وجه للصلاة هنا ، وقد ورد تفسير الصلاة بالدعاء من بعض رواته ، وهو هشام بن حسان ، عند البهيقي ، وجاء عند أبي داود بلفظ : “فإن كان مفطراً فليطعم ، وإن كان صائماً فليدعُ” ، وجاء عند أحمد من طريق هشام بن حسان بلفظ : “فليصلِّ وليدعُ لهم” ، قال الألباني : “ولعل قوله : (وليدعُ) خطأ من بعض النساخ أو الرواة ، وأصله : أي : ليدع لهم” ، وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر أنه لم يجد في شيء من الروايات أن هذه الجملة من الحديث المرفوع ، فلعلها مدرجة في الحديث من تفسير هشام بن جسان .

وتفسير الصلاة بالدعاء وارد في نصوص الشرع ، كما في قوله تعالى : (وصل عليهم إن صلوٰتك سكن لهم).

*الوجه الثالث : إذا أجاب الصائم الدعوة فإن كان صومه واجباً كنذر أو قضاء حرم عليه الإفطار إجماعاً ، ويسن الإخبار بصومه ليعلم عذره ؛ لئلا يظن صاحب الدعوة كراهة طعامه ، أو نحو ذلك ، ولا يُعَدُّ ذلك من باب الرياء ، بل هو من باب حسن المعاشرة وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه لقوله صلى الله عليه وسلم : “إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم ، فليقل : إني صائم”.

فإذا حضر دعا لصاحب الدعوة بالأدعية المناسبة ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : “أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة” . أو غير ذلك مما يناسب المقام .

وإن كان صومه نفلاً جاز له الفطر ؛ لإن الخروج من صوم التطوع لعذر جائز ، كما مرَّ في كتاب “الصيام” ، وإذا كان في إفطاره وأكله من طعام أخيه الذي دعاه جبر لخاطره وإدخال السرور على قلبه كان الأكل أَوْلى ، وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً ، فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام ، قال رجل من القوم : إني صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “دعاكم أخوكم ، وتكلف لكم” ، ثم قال له : “أفطر ، وصم مكانه يوماً إن شئت” .

*الوجه الرابع : استدل العلماء ، وهم : الحنابلة والشافعية في أصح الوجهين عندهم ، بحديث جابر رضي الله عنه على أن الواجب هو حضور الدعوة ، أما الأكل فليس بواجب ولو كان المدعو مفطراً ؛ لأن الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد على تركه هو الحضور ، أما الأكل فلم يرد مايدل على وجوبه ، بل ورد مايدل على التخيير ، لكن الأكل أَوْلى ؛ لأنه أكمل في الإجابة ، وأبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ، إلا إن كان له عذر ؛ كأن يكون قد أكل قبل حضوره ، أو يكون الطعام لايناسبه ، وله طعام خاص ، أو لغير ذلك من الأسباب التي تمنع الأكل ، لكن إن تيسر جلوسه معهم وأكله ولو قليلاً من النوع الذي يشتهيه ؛ كالفاكهة -مثلاً- فهو أفضل وأكمل .

وذهب الظاهرية ، وبعض الشافعية ، ورجحه النووي ، إلى وجوب الأكل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : “وإن كان مفطراً فليطعم” ، ولأن المقصود من الحضور الأكل ، فكان واجباً .

والراجح الأول هو أن الأكل غير واجب ؛ لأن الحديث صريح في تخيير المدعو بين الأكل وتركه ، ويحمل الأمر في قوله :(فليطعم) على الاستحباب ، وقولهم : إن المقصود الأكل فيه نظر ، فإن المقصود هو الإجابة والحضور ، وامتثال أمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك وجب الحضور على الصائم الذي لايأكل . والله تعالى أعلم .

حكم إجابة الدعوة بعد اليوم الاول

٦/١٠٤٩ _ عن ابن وسعود رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((طعام الوليمة اول يوم حق، وطعام يوم الثاني سُنه،وطعام يوم الثالث سُمعة))

رواه ه الترمذي واستغربه ، ورجاله رجال الصحيح

٧/١٠٥٠_ وله شاهد عن انس رضي الله عنه عند ابن ماجه

الكلام عليهما من وجهين

 *الوجه الاول :في تخريجهما:

 اما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقد اخرجه الترمذي في ابواب((النكاح)) ، باب (ما جاء في الوليمة) (١٠٩٧) من طريق زياد بن عبدالله ، قال :حدثنا عطاء بن السائب ، عن ابي عبدالرحمن ،عن ابن مسعود رضي الله عنه،قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: . . .        وذكر الحديث ، وتمامه : ((ومن سمع سمع الله به ))

قال الترمذي :(حديث ابن مسعود لانعرفه مرفوعاً الا من حديث زياد بن عبدالله [بن الطُفيل]،وزياد بن عبدالله كثير الغرائب و المناكير ، وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة ، قال:قال وكيع : زياد بن عبدالله مع شرفه يكذب في الحديث )، قال الحافظ في ((التقريب)):  (صدوق ثبت في المغازي ،وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين ، ولم يثبت ان وكيعاً كذبه ، وله في البخاري موضع واحد متابعة )وقوله :(لم يثبت ان وكيعاً كذبه ) لعله يريد بذلك ما جاء في ((التاريخ الكبير)) للبخاري عن وكيع انه قال :(هو اشرف من ان يكذب )، قال الحافظ :

(وهو الصواب ، ولعله سَقَطَ من نسخة الترمذي لا ، وكان فيه : مع شرفه لايكذب في الحديث ، فتتفق مع الروايات ، والله أعلم ) ، ثم رأيتها ثابته في “طرح التثريب” ، وهذا التوجيه من الحافظ فيه نظر .

وقوله: “له في البخاري موضع واحد” هو في كتاب (الجهاد) من حديث أنس رضي الله عنه ، قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر … الحديث .

وفي الحديث علة أخرى وهي أن عطاء بن السائب مختلط ، وسماع زياد منه بعد اختلاطه .

وقول الحافظ : (ورجاله رجال الصحيح) هذا كالرد على الترمذي في استغرابه الحديث ، وفيه تساهل ، فإن ظاهر هذه العبارة أن الحديث جيد إذا كان رجاله رجال الصحيح مع أن الحديث سنده ضعيف كما مر ، والحافظ نفسه قد أعلَّه في “فتح الباري” ، كذلك في سكوته عن الشاهد عند ابن ماجه تساهل ، ومخالف لمنهجه في بيان الضعف ، فإنه ضعيف جداً كما سيأتي .

وللحديث شواهد منها مارواه ابن ماجه (١٩١٥) من طريق عبدالملك بن حسين أبي مالك النخعي ، عن منصور ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، والثالث رياء وسمعة” .

وهذا إسناد ضعيف جداً ، آفته أبو مالك هذا ، فإنه متروك كما قال الحافظ في “التقريب” ، قال البيهقي : “وروي ذلك عن أبي هريرة مرفوعاً ، وليس بشيء” .

ورواه البيهقي من طريق بكر بن خنيس ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة رضي الله عنها أمر بالنَّطع فَبُسِطَ ، ثم ألقى عليه تمراً وسويقاً ، فدعا الناس ، فأكلوا ، وقال : … ، فذكر الحديث بمثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وقال : “وليس هذا بقوي ، بكر بن خنيس تكلموا فيه” وقال الدارقطني : (متروك) وفي موضع آخر : (ضعيف) ، وقال الحافظ في “التقريب” : (صدوق له أغلاط ، أفرط فيه ابن حبان).

وبالجملة فحديث الباب ضعيف ، وما ورد عن أبي هريرة وأنس كذلك ؛ لشدة ضعفها ، ولا يرتقي بها الحديث إلى درجة الحسن ، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز (والنفس تميل إلى أن الحديث ليس بصحيح ، وأن هذه الأسانيد الضعيفة لاتقويه ولا تجعله في قسم المقبول).

وقول الحافظ : (وله شاهد عن أنس عند ابن ماجه) غير صحيح ، صوابه : وله شاهد عن أنس عند البيهقي ، أو له شاهد عن أبي هريرة عند ابن ماجه .

*الوجه الثاني : في الحديث دليل على شرعية الضيافة في وليمة العرس يومين ، ففي أول يوم تكون واجبة لقوله : “حق” ، والحق : هو الثابت اللازم ، وفي اليوم الثاني : سنة ؛ أي : طريقة متبعة ، وفي اليوم الثالث : رياء وسمعة ، فيكون فعلها حراماً ، والإجابة إليها كذلك .

وهذا على قول من أخذ بهذا الحديث ومافي معناه ، ورأى أن هذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو من مقال ، فإن مجموعها يدل على أن للحديث أصلاً ، وهذا رأي الحافظ ابن حجر ، وتبعه الشوكاني ، وأخذ بهذا فقهاء الشافعية والحنابلة ، فقالوا : إن هذه الأحاديث توجب التوقف عن اليوم الثالث ، وأن الأَوْلى والأفضل ألا يزيد على يومين ، لئلا يقع الداعي فيما ورد فيه الذم .

وذهب الإمام البخاري إلى جواز الوليمة سبعة أيام مستدلاً بإطلاق الأمر بإجابة الداعي ، وذلك غير مقيد ، فترجم في “صحيحه” بقوله : (باب حقِّ إجابة الوليمة والدعوة ، ومن أولم سبعة أيام ونحوه ، ولم يوقِّت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ولا يومين) . وبهذا قالت المالكية ، قال القاضي عياض : (واستحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعاً).

وقد روى ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين ، قالت : (لما تزوج أبي سيرين دعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أيام ..) وعند عبد الرزاق :(ثمانية أيام) . ولعل هذا محمول على ما سيأتي من أنه فرقهم على سبعة أيام أو ثمانية .

وذهب جماعة من الفقهاء كبعض المالكية وبعض الشافعية ، واختاره الصنعاني وابن باز وابن عثيمين ، إلى جواز الوليمة في اليوم الثالث إذا كان ثمَّ حاجة ؛ كأن يكون المدعوون كثيرين ، أو يكون الوقت غير مناسب لجمعهم في يوم واحد، إما لضيق المكان ، أو لأسباب أخرى ، فيفرقهم على ثلاثة أيام أو أربعة ، أو يكون للداعي أقارب لم يحضروا إلا في اليوم الثالث ، ونحو ذلك من الأعذار .

وهذا القول هو أرجح الأقوال ، وبه تجتمع الأدلة ؛ لإنه إذا وجد عذر من هذه الأعذار لم يكن فيه إسراف ولا مباهاة ، والغالب في زماننا هذا أنه لا حاجة إلى الوليمة مره ثانية ، والأحوط هو الإكتفاء بأول يوم ؛ للبعد عن الإسراف الذي غلب على الناس في جميع شؤون حياتهم ، والله المستعان .

لكن ينبغي لمن أجاب أن يقتصر على الإجابة الأولى ، لئلا يكون في تكرار حضوره دناءة ، إلا إن كان هناك سبب خاص تنتفي معه الدناءة فلا بأس ؛ كأن يكون قريباً ، أو يُسَرُّ صاحب الدعوة بحضوره . والله تعالى أعلم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *